جبل عمور سمي نسبة إلى قبيلة عربية كبيرة كانت تعرف بإسم اولاد عمور . العمور هم قبيلة من القبائل الكبرى لمنطقة وبالتحديد هي قبيلة هلالية أفلو حيث أنهم من العرب الذين ارسلهم الفاطميون للقضاء علىالتمرد بالمنطقه وعرفت المنطقه بجبل عمور نسبة اليهم، الا أن السكان الاصلين هم بني راشد ثم تأصلت قبيلة.
بعدهم وهم المعرروفين حاليا باسم الرحامنة و كان سابقا الجبل يعرف بجبل سيدي راشد قبل قدوم العمور إلى المنطقه الذين قادهم أبو العالية من احفاد اولاد سيدي الشيخ . وجميعهم من سكان مدينة أفلو ولاية الأغواط بالجزائر.
تقع سلسلة جبال العمور ضمن سلسلة الأطلس الصحراوي بين سلسلتي جبال أولاد نايل شرقا و جبال القصورغربا، و تحدها شمالا الهضاب العليا الغربية و جنوبا الصحراء. و تتربع المنطقة في مجملها على مساحة 7.000 كم2، تشغل الغابات فيها مساحة 100.000 هكتار و هي عبارة عن إحراج Maquis و بقايا غابات في حالة تدهور Mattorals . لقد عرفت سلسلة جبال العمور التسيير الغابي منذ مطلع القرن الماضي، حيث عرفت تدهورا منذ ذلك الوقت تبعا للتقرير التعريفي لمحافظ الغابات بوهران حول غابات المنطقة بتاريخ: 07 جويلية 1909، على إثر إنشاء مصلحة الغابات على مستوى قسم آفلو Chefferie d'Aflou ، حسب قرار التحديد و الإدماج المؤرخ في 23 ديسمبر 1908. على غرار عملية خارطة الشيوخ خلال القرن التاسع عشر، بدأت عملية التحديد الغابي Délimitation forestière بالمنطقة الشمالية لآفلو (غابة الدولة بآفلو) سنة 1909 إلى غاية سنة 1913 ليتم ضم 15.436 هكتار، و جرت نفس العملية للجهة الجنوبية (غابة الدولة وارن أو غابة القعدة) بين سنتي 1938 و 1939 ليتم ضم 30.000 هكتار، ليصل مجمل المساحة الغابية للدولة إبان الحقبة الاستعمارية إلي 45.436 هكتار، و هي المساحة الخاضعة للنظام العام للغابات.
التكوينات الطبيعيـــة
تمتد سلسلة جبال عمور متجهة من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، و هي ذات تكوينات كلسية في غالبيتها، تتميز بانحدارات شديدة في بعض الأحيان سببها الحركات الأرضية مابين بداية العصر الجيولوجي الثالث و نهاية العصر الطباشيري، زيادة على عوامل النحــــــــــت و التعرية، و تنقسم على مجموعتين كبيرتين، شمالية و جنوبية: المجموعة الأولى: تضم غابة [آفلو] و تقع إلى الشمال من مدينة [آفلو]، متجهة من الغرب إلى الشرق، تتميز بارتفاعاتها و تنوعها، حيث تسود قمم عالية شديدة الانحدار من الناحية الشمالية، كقمم جبل قرن عريف (1721 م)، أم القدور (1686 م)، سيدي عقبة (1707 م)، جبل قورو (1606 م) و كاف سيدي بوزيد(1583 م)، و تكون هذه السلسلة سفحا مرتفعا يطل على الهضاب العليا الغربية متمثلة في بساط الحلفاء المعبر عنها بالجلال الغربي غرب الطريق الوطني 23 و الجلال الشرقي شرق الطريق الوطني 23 .
تربة هذه المجموعة في أغلبيتها طينية كلسية، ذات عمق متوسط يقل كلما زاد الارتفاع حيث تظهر الصخرة الأم، خاصة في المرتفعات الغربية. يتميز الغطاء النباتي بصفة عامة بتأثيرات المناخ المتوسطي، حيث ساد المنطقة في بداية القرن الماضي غطاء نباتي كثيف و متنوع، تسوده أشجار البلوط الأخضر بنسبة 60 % يليه العرعر الأحمر (الفينيقي) و الشربين مع وجود البطم الأطلسي، أما النباتات تحن الخشبية فتتميز بوجود شجيرات الضرو، الكتم، إكليل الجبل، التسلغة و القصعين...، و نتيجة للاستغلال المفرط خلال فترة الاستعمار و بعد الاستقلال في التدفئة و الاحتطاب كنشاط معيشي، و في الرعي مع ملاحظة أن حرفة الرعي و تربية الماشية تعتبر النشاط الرئيسي لسكان المنطقة، فإن تدهور الغطاء النباتي ظلت تتفاقم نتائجه إلى أن حدث اختلال في كثافة و نسب تكوين الغطاء النباتي بحيث تراجعت كثافته على درجة التدهور في بعض المناطق، و تغيرت نسبها لتراجع نسبة البلوط الأخضر في كل المجموعة إلى رتبة ثانوية تاركة المجال لأشجار العرعر الأحمر عبر كل المناطق التي لم تمسها أشغال إعادة التشجير، و هذا بسبب الطلب على أخشاب البلوط لاستعمالها الجيد في التدفئة، و في المناطق التي مستها أشغال إعادة التشجير فإن السيادة لصنف لصنوبر الحلبي. المجموعة الثانية غابة وارن (القعدة)، و تقع هذه المجموعة في الجهة الجنوبية من آفلو، تمتد أيضا من الغرب إلى الشرق، من جبال تويالة إلى وادي إمزي، ومن ناحية التضاريس تعتبر القعدة نتوءا بارزا منقطع الامتداد و قد سميت القعدة لأنها تمثل مائدة صخرية مقطعة الأطراف، عملت التعرية و الانكسارات على تشكيل معظم أجزائها، إذ قلما نجد منبسطا فسيحا بداخلها. إن تكوين التضاريس بهذه المجموعة جعلها صعبة المسالك، و وعرة المنافذ وكثيرة الأخاديد و التجاعيد، مستعصية السبل من كل الجهات تقريبا، مما جعلها تكون ملجأ حصينا و ملاذا فريدا في المنطقة، احتمي داخلها إنسان ما قبل التاريخ حيث وفرت له المسكن و المأكل و المشرب، كما كانت قاعدة أساسية لجنود جيش التحرير الوطني أثناء الثورة التحريرية، و بهذا فإن هذه المنطقة قد بصمت ببصماتها عبر التاريخ في الماضي و الحاضر. تتكون القعدة من ثلاثة أجزاء طبيعية، تكون كتلة واحدة وهي: 1- قعدة آنفوس، 2- قعدة القرون و 3- قعدة مادنة. يتميز غطاؤها الشجري من تشكيلة خفيفة من العرعر الأحمر مع وجود بعض الأشجار من موقع لآخر كأشجار البلوط الأخضر و الشربين كما يصادف البطم الأطلسي متشبثا يبن الصـخور و يوجد الصنوبر الحلبي في مجموعات داخلية عبر قضاء آنفوس و مادنة، أما الغطاء تحت خشبي فيتكون من إكليل الجبل و الحلفاء و التسلغة. تتعرض هذه التشكيلات الحراجية إلى كل التعديات من قطع و حرق و رعي مستمر، و نتيجة لتداخل هذه العوامل مع فقر في بنية التربة و ظهور الصخرة الأم، فإن التجديد الطبيعي منعدم تماما. 3. المراحــل التاريخيــــة
مرحلـة ما قبل التاريـــخ
لقد ترك لنا إنسان ما قبل التاريخ سجلات قيمة و وثائق منقوشة على صخور كامل المنطقة ، أرخ من خلالها لكل ما عاصره من حيوان و نبات، و شتى الأدوات و الأسلحة التي أستعملها في مختلف جوانب حياته، و حتى الكهوف التي سكنــها " أعشاش النسور" ، وقد تم إحصاء أكثر من 150 محطة أثرية، نورد بعض ما رسم في صخور مناطقنا الغابية وهي:
1. الأسلحةَLes armes
المرتدة في مواقع: الحمراء، ثنية الخروبة، الضفة اليمنى لوادي الغيشة و أم القدور، زيادة على فرش بموقع فايجة الخيل.
2. الحيوانات Les Animaux
النعام Les Autriches
و قد رسمت النعامة في مواقع كثيرة و متقاربة كالصفصافة، الحمراء، فايجة الخيل و في عين الخطارة برقبة ملونة زائد مجموعة تحتوي على ثمانية نعامات متدرجة. البقريات Les bovidés نجدها في الصفصافة، الضفة اليمنى لوادي الغيشة، فايجة الخيل، حجرة الناقة، الهرهارة و في عين الخطارة توجد برأسين أحدهما غير مكتمل . الحَيُرميات Les bubales نقشت في كل من الصفصافة، فايجة الخيل، الهرهارة و في الحمراء حيث رسم اثنان في حالة عراك أما في عين الخطارة فتوجد مجموعة من الأجزاء من بينها 15 قرن . الكلبيات Les canidés توجد في مواقع الحمراء، الضفة اليمنى لوادي الغيشة و في خرق السوق. الفيلة Les éléphants لقد رسم الإنسان البدائي الفيلة في أكثر من عشرة مواقع منها الحمراء، الضفة اليمنى لوادي الغيشة ، خرق السوق ، فايجة الخيل، خرق الترك، لكن أحسنها و أشهرها على الإطلاق ما رسم في محطة الصفيصيفة للفيلة الأم و هي تحمي صغيرها من هجوم نمر، و اتخذ هذا الرسم شعارا للسنة الدولية للأمومة و الطفولة سنة 1982 من طرف اليونسيف (UNICEF) . كما اتخذت رمزا لجميع المحطات ما قبل التاريخ عبر كامل التراب الوطني، و نقشت بحجمها الطبيعي من طرف المرحوم لحرش قاسم لتنقل للجناح الجزائري بالأمم المتحدة خلال سنتي 87 و 1988. الخيليات Les équidés رسمت الخيول و الحمير هي الأخرى في كثير من المواقع مثل الصفصافة، فايجة الخيل، الهرهارة ، الحمراء و كاف المكتوبة، و بعض من الخيول رسم إنسان راكب عليها دلالة على أن الإنسان البدائي قد ‘ستأنس الخيول واستغلالها في صيده و ترحاله. السنوريات Les félines و تمثل أصناف السباع إما مفردة كما في مواقع الضفة اليمنى لوادي الغيشة، الحمراء، أو في حالة هجوم أو ماسكة بفريستها كما في ثنية الخروبة. الظباء Les Gazzalles تكثر في أغلبية المواقع منها، فايجة الطراد، كاف المكتوبة، حجرة الناقة، الحمراء، عين الخطارة، القص..... الأغنام Les ovines و قد رسمت الكباش على شكلين، مقبعة Béliers à sphéroïde و غير مقبعة Béliers sans sphéroïde . بالنسبة للكباش المقبعة فنجدها في حجرة الناقة، عين الخطارة، خرق الترك، فايجة الخيل،..... أما الكباش غير المقبعة فتوجد بفايجة الطراد، الحمراء، خرق السوق،الهرهارة، بطمة عين غراب بوادي المالح...... وحيد القرن Rhinocéros و تتواجد بكل من الحمراء، عين الخطارة و فايجة الخيل. الخنزير Sangliers Les و توجد بمواقع ثنية الخروبة، الصفصافة و عين الخطارة. القردة Les singes و توجد فقط بثنية الخروبة. الأرانب Les lièvres توجد بموقع واحد هو الحمراء. الطيور Les oiseaux يوجد بضاية الطراد طائر أبو منجل Ibis
3. الإنسان L'Homme رسم إنسان ما قبل التاريخ نفسه و أفراد عائلته و في أشكال مختلفة في أكثر من عشرة مواقع مثل الحمراء، فايجة الخيل، الهرهارة، أما بثنية الخروبة فيوجد رسم لصياد برأس أرنب.
4. الإشارات Les signes هناك كثير من الإشارات المعروفة و المبهمة تتواجد بمواقع:ثنية الطراد، حجرة الناقة، الحمراء، عين الخطارة، ثنية الخروبة،...............
5. نقوشات غير منتهية الرسم Gravures non achevées
هناك عشرات من الرسومات الحجرية غير المكتملة لحيوانات و حشرات و ثعابين بمواقع مختلفة مثل كدية عبد الحاكم، الصفصافة، الحمراء ، عين الخطارة، ثنية الخروبة،....
من خلال هذا الإرث العظيم من الرسومات الرائعة التي خلدها فنانو ما قبل التاريخ و التي من خلالها أسسوا للتاريخ الطبيعي للمنطقة، و التي لا ينكرها إلا جاحد أن المنطقة كانت مأهولة و تزخر بشتى أنواع الحيوانات و الضواري من أسود ، فيلة ، قردة، غزلان و التي انقرضت تماما لشتى الأسباب و الظروف، كان للإنسان فيها دورا كبيرا.
مرحلة التاريخ الحديــــث
من المؤكد أن جبل العمور خلال المراحل التاريخية قد لعب دورا تاريخيا في استقطاب العدد الكبير من السكان، فقد كان مهد الإنسان القديم قبل اكتشاف النار و التعدين و مرحلة استئناس الحيوانات و اكتشاف الزراعة ، و الانتقال من مرحلة الاعتماد في معيشته على مطاردة الحيوانات و اصطيادها لتأمين عيشه، إلى مرحلة شبه الاستقرار و بداية العناية بالزراعة و الحيوانات المدجنة (غنم ،خيول ،بقر.....الخ)، ومن أهم هذه القبائل التي استوطنت هذه الجهة، نجد إشارات إلى القبائل الجيتولية المتنقلة التي كانت تمتهن حياة الضغن عبر الأطلس الصحراوي، ثم أعقبتها قبائل ذات أصول بربرية من الزناتيين و مغراوة و بني راشد، الذين يعود نسبهم إلى بني واسين، الذين تداولوا السكن بجبل العمور، وقد أطلق اسم بني راشد على هذه المنطقة، إلى أن تم تهجيرهم من طرف قبيلة العمورالهلالية، التي وفدت من ليبيا مباشرة بعد الفتوحات الإسلامية، وقامت هذه الأخيرة بطرد بني راشد إلى القلعة بمعسكر و جنوب تلمسان، و خلال الحملة الهلالية عرفت الجهة موجات متتالية عبورا و استقرارا مما عرض الجهة إلى نوع من التمازج بين السكان، و اختلاط الأصول بين مختلف أفراد السكان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مجتمع متجانس نسبيا وحده الدين الإسلامي، و قد تأثرت المنطقة بالصراعات التي عرفتها الجزائر خلال عصر الإمارات التي نشأت. من المعروف أن جبل العمور كان مسكونا من طرف قبائل بربرية منهم بني راشد هجر قسم منهم باتجاه التل أما الباقي فقد التحق بهم قبيلة سنجاس ولكن يبد و أن عددهم لم يكن بالهام لأنهم لم يتركوا أي أثر لان هؤلاء البربر قد تعربوا بالتاريخ و بعد القرن الثالث عشر بداو على اثر موجات من طرف الرحل الذين وفدوا من الشرق فزحزحوا السكان البربر و حلوا محلهم و استوطنوا الجهة سهلا و جبلا و أطلقوا اسمهم على الجهة فأصبحت تنعت [[[بجبل العمور.
كما أن الجهة كانت مقصد بعض الشخصيات الذين ينتسبون إلى السلالات الشريفة (الأدارسة و العلويين)، فاستقروا بالجهة في شكل عائلات و أسر وكان ذلك خلال القرنين الخامس عشر و السابع عشر الميلاديين. وبالنظر إلى مكانة هؤلاء الأشخاص و نفوذهم المستوحى من أصولهم تشكلت حولهم ما يشبه التجمعات السكنية و اختلطوا عن طريق النسب و المصاهرة و تناسلوا فيما بينهم فشكلوا مجتمعا رغم اختلاف أصولهم فقد ربطت بينهم المصالح و وشائج القربى كما اتخذ السكان من هؤلاء الأشراف حدودا ينتسبون إليهم و ينعتون بهم كأولاد سيدي بلقاسم ،أولاد سيدي حمزة ،أولاد سيدي خالد ،أولاد سيدي منصور ، أولاد سيدي عبدالله بن عثمان، أولاد سيدي بوعلي ،أولاد سيدي بوزيد ، أولاد سيدي الناصر و هكذا نجد لكل قبيلة جدا تنتسب إليه و تتخذ من ضريحه مزارا و محجا للتبرك.
القصــور
كما خلد إنسان ما قبل التاريخ لعصوره، جاء الدور على من لحقوه، فخلفوا ورائهم آثارا و شواهد، حتى و أن الكثير منها قد زال و أندثر، إلا أن البعض منها لا يزال يقاوم و بصمت المؤثرات الطبيعية و يد الإنسان العابثة، و هنا نورد البعض منها و المتواجدة بغابات جبل العمور.
طاحونة الماء " الرحى" Le moulin تقع هذه الطاحونة "الرحى" في الغيشة، بالقرب من منبع عين الخطارة عند ملتقي واديي بريش و الغيشة ، على بعد حوالي 04 كم تقريبا من قصر الغيشة القديم، و بالقرب من علامة التحديد الغابي رقم 358 Borne forestière N° ، و قد بنيت سنة 1864 بعد تمركز قوات الاحتلال و إقامة أول مركز استعماري بالغيشة سنة 1847، و كان ذلك من فرقة الهندسة العسكرية بقيادة الرائد "نيقو Nigoux" و قد تزامن بناء هذه الطاحونة مع إنجاز قناة جلب الماء على طول وادي الغيشة إلي غاية قصر الغيشة بمسافة 2.5 كم.
مرحلــة الثورة التحريريـــة
لقد شكلت الغابات و عبر العصور و كما سبق ذكره المأوي و المأكل و المشرب لإنسان المنطقة، و نخص ذكرا هنا غابات جبل عمور التي وفرت للمجاهدين إبان ثورة التحرير كل ما يحتاجونه من ضروريات الحياة، فكانت بحق قاعدة للحياة سواءًِ للمجاهدين المستقرين بالمنطقة أو العابرين منها إلى مختلف مناطق الوطن و عبر كل الاتجاهات و إلى كل الجبهات، وقد دارت أغلبية معارك جبل عمور في المناطق الغابية الجبلية و نخص ذكرا غابات القعدة التي نقشت اسمها بحروف من ذهب في تاريخ الجزائر التحرري كما نقشه إنسان ما قبل التاريخ في صخورها منذ عشرة آلاف سنة قد خلت.